أحقا.. انتكــس خــالد؟!
للكاتب : الشيخ/ مشعل العتيبي
لا تستغرب الانتكاس إذا ازداد عدد المنهزمين والمتساهلين بفتن الدنيا ومغرياتها
خــالد أحد شباب الالتزام.. جائني في المسجد قبل أيام
وقد كان يردد متألما مهموما لقد نشأت بين أبوين صالحين..
نشأت في بيت تربينا فيه على الصلوات لكن.. يا حسرتاه
كان البيت كله ينعم في ظلال التقوى والالتزام
لقد كنت منضبطا في صلواتى ومع حلقات تحفيظ القرآن
ولكنني بعد أن التحقت بالثانوية وتعرفت على شباب كان ظاهرهم الصلاح فلم يكونوا معنا في الحي
كنا نجتمع في الاستراحات لكن اجتماعاتنا كانت مليئة بالتسلية والهرج وتضييع الأوقات
لم نجلس يوما للقرآن، لم نحرص على موعظة أو فائدة لترفع الهمة والإيمان
تمضي الأيام وأوقاتنا تضيع وإيماننا في نقصان
حتى بدأت ألاحظ على صاحبي الذي عرفني على هؤلاء الجلساء بدأت ألاحظ عليه علامات الفتور والانتكاسه.. بدأ يسهل لي الأمور بدأت عبارته لا تعجبني "وسع على نفسك" "الدين يسر فلا تعسر وتضيق على حياتك". لقد غلبني الشيطان.. لقد انسجمت مع كلماته فأصبحت حيران لقد انقلبت أحوالي...
والذي بدأ يلاحظ على إهمالي وتكاسلي عن الصلوات
صلاة الفجر ..أصحبت لا تعنيني..
بعد أن كنت أنا الذي أساعد المؤذن في الأذان أصبحت الآن بلا إيمان...
قلبي لم يعد يحب الطاعات.. قلبي لم يعد يحن للصلوات...
ما الذي حدث.. لا تسألني.. ماذا جرى؟!، هذا الذي أريد معرفته وأبحث عنه...
وجدت نفسي أجادل والدي عند الخياط في إطالة الثوب...
بدأت أردد عبارات صاحبي الدين يسر فلا تضيق علي يا والدى .. لا تسألني ما الذي حدث.. فأنا لا أدري هناك شيء يقودوني ويدفعني قد يكون الشيطان... لكنني والله حيران ..
بدأ خروجي وسهري يزداد...
وكل ليلة وأنا في مناوشات وخصومات مع والدتي...
دخلت في إحدى الليالي بعد أن سهرت مع صاحبي على البحر والتجوال...
دخلت البيت فإذا الجميع كالعادة نيام إلا والتي فقد كانت كعادتها تنتظرني على عتبات الباب
بدأت أتسلل حتى صرخت في وجهى إلى متى وأنت على هذا الحال؟!!
اقتربت مني فإذا بها تشم معي رائحة الدخان...
فقالت: "تدخن؟!"، قلت لها: "هذه رائحة أصحابي والله أنا لا أدخن، صدقيني يا أمي".
ارتفعت الأصوات، فقلت لها: "أرجوكِ أصمتي حتى لا يسمعك والدي".
لم تتحملني فأمسكت بي فلم تتحكم بأعصابها، رمتنى بمزهرية كانت على الطاولة...
حاولت أن أهدءها..حاولت أن أمنعها أمسكت بيديها أريد أن أدفعها عني فلم أشعر بها إلا وقد سقطت على الأرض.. والدتي سقطت وإذا بها تضع يدها على صدرها وهي تنتفض وتردد حسبنا الله ونعم الوكيل فزعت إليها بالماء..
ذهبت لوالدي في غرفته.. جاءني مفزوعا... رفعها.. فحملها إلى السيارة ثم إلى المستشفى..
وبدأت أنا أهون على إخوتي الصغار.. ولا أدري أهون عليهم أم أهّون على نفسي
تمر الساعات ونحن في البيت ننتظر الوالد حتى جاءنا..
جاءنا وهو ينظر إليّ بكل أسى...
فزع أخواتي يتباكون بين يديه أين أمي؟.. فقال أمكم ستكون بخير.. بإذن الله ستكون بخير...
والدتكم في العناية.. حالتها لا تطمئن.. فبدأت دموعه تتساقط ..
يالله أول مرة أرى والدي يبكي.. يبكي فلا أدري هل يعلم أنني أنا السبب.. أنا من تسبب فى ذلك
صعد والدي إلى غرفته.. وأخواتي على عتبة الباب يتباكون..
وأنا لا زلت حيران.. لا تسألني لماذا كل هذا؟؟
لم يرتاح ضميري... لم يطمئن قلبي..
ذهبت إلى والدي دخلت عليه وقد وضع يديه على رأسه مكبا على وجهه ولسان حاله {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٥﴾ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [سورة البقرة: 155-156].
اقتربت منه فقلت له: "والدي، أرجوك لاتتصدد عني... كم أنا بحاجتك فلم يبقى لنا إلا أنت".
وضعت يدى على يديه وأنا أقبلها.. قبلت رأسه ويديه... أرجوك يا أبي سأكون كما تحب
أعدك أن أعود خالد الذي نشأته على الخير والصلاح
والله سأكون كما أردت لي وكما تمنيت أن تراني سأعود للقرآن سأعود للأذان فلا تحرمني رؤياك ومحبتك.. بدأت أبكي.. أبكي بين يديه...
لم أكن أتوقع أن يحدث كل هذا في بيتنا والله..
رفعني والدي وأنا على الأرض، رفعنى وهو يحتضنني ودموعه لا يكاد يخفيها
أخذني... ذهبنا إلى المستشفى... ذهبنا.. دخل والدي على الدكتور المختص
أما أنا فقد ذهبت إلى غرفة العناية.. ذهبت لأرى والدتي وقرة عيني
بدأت أنظر إليها بين الأجهزة والممرضات...
يا الله.. ارحمني يالله
لقد فعل بي الانتكاس ما لم أكن أتوقعه
لقد فعلت بي الذنوب ما لم يكن في الحسبان
لقد ندمت ندم لا يعادله ندم..
علمت أن حياتي وسعادتي بطاعة والدتي ووالدي...
علمت أن نجاتي وقوتي بصلاتي وطاعتي...
لقد هجرني أفضل أصحابي بعد انتكاستي...
فلم أتمنى والله أن يبتعدوا عني، بل والله ليتهم وقفوا معي وأيقظوني.. ليتهم ما تركوني وهجروني
نظرت إلى والدتي من خلف النافذه ارتجي منها نظرة أو كلمة ولكن هيهات هيهات...
أنظر إليها وأنا أبكي.. لقد بكيت بكيت لأنني أعلم أنها كانت مهمومة بي وبحالي...
عدنا إلى البيت أنا ووالدي، عدنا، دخلت غرفتي.. دخلت توضأت وبدأت أصلي قبل الظهر
بدأت أصلي ثم دعوت الله.. دعوت الله بعدما علمت أن الله هو من يرحمنا ويكشف ما بنا...
دعوت الله بعدما علمت أن الله هو من يرفع عنا ويصبرنا...
يا الله غَيِّر حالي إلى ما تحبه وترضاه...
يا الله هون علينا مصيبتنا...
يا الله اجعلني قرة عين لوالدي ووالدتي...
اللهم لا تحرمني لذة النظر إلى وجهك...
اللهم أعوذ بك من الانتكاسة بعد الاستقامة...
حتى بدأ يبكي.. فقلت له أنت على خير وهون على نفسك وبإذن الله سيشفي الله والدتك، فعد إلى صحبتك التي تعينك على الطاعات والقربات...
فيا الله لقد ازدادت الانتكاسات...
وقد كانت الخطوةُ الأولى التساهل والإغراق في المباحات، وإشغال أوقاتهم بكثرة المزاح والملهيات.
كيف لا تزداد الانتكاسات بعد التساهل في النظر إلى القنوات، والاعتكاف على المسلسلات والأغاني بل حتى أناشيد الميوعة والتغنج أصبحت والله من المهلكات؟!!
تسلسلت عقولهم وتدنت أخلاقهم فأثرت في عقائدهم وعقولهم حتى استهوتها قلوبهم وانقادت تبعا لذلك جوارحهم وظهر ذلك على ظاهرهم وسلوكهم..
فوالله لن يقعُ الانتكاسُ إلا حينما تستحكمُ الشهوات، وتتبدَّى الغرائزُ أمامَ الشبابِ وتُحاصِرُهم، وتحيطُهم بشِراكها، فيتساهلون ثم ينقادون تبعا لخطوات الشيطان.. ينقص الإيمان ويزداد حب الشهوات...
وحينها.... لا تسألهم عن الثبات
فيــــا حســــرتاه..